نبدا ببركة الله الجزء الثالث
هذا هو الجزء الثاني
ثالثا ـ الأفعال المتعدية لثلاثة مفاعيل
من الأفعال المتعدية لثلاثة مفاعيل الآتي : ـ
أرى ـ أعلم ـ حدَّث ـ نبَّأ ـ أنبأ ـ خبَّر ـ أخبر .
تنقسم الأفعال السابقة إلى قسمين :
1 ـ منها ما يتعدى لثلاثة مفاعيل بوساطة الهمزة التي تعرف بهمزة النقل ، أو التعدية وهي
الفعلين : أرى ، وأعلم .
نحو : أرى والدك زيدا خالدا أخاك .
ونحو : أعلمت عليا محمدا مسافرا .
فالمفعول الأول من هذه المفاعيل في المثالين السابقين كان في الأصل فاعلا ، وذلك قبل أن يتعدى الفعل بالهمزة ، وأصل الكلام :
رأى زيد خالدا أخاك . وعلم عليّ محمدا مسافرا .
وقد يكون من " أرى " الناصبة لثلاثة مفاعيل .
140 ـ قوله تعالى : { كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم }1 .
فالفعل " يرى " مضارع " أرى " ، ومفعوله الأول الضمير المتصل به ، وأعمالهم مفعوله الثاني ، وحسرات مفعوله الثالث كما ذكر الزمخشري {2} . وقيل حسرات حال {3} .
141 ـ وقوله تعالى : { فأروني ماذا خلق الذين من دونه }4 .
فالضمير في " أروني " مفعول به أول ، وجملة : ماذا ... إلخ سدت مسد المفعولين الآخرين . ومثله قوله تعالى : { أروني ماذا خلقوا من الأرض }5 .
فجملة الاستفهام سدت مسد المفعولين الآخرين ، والضمير في " أروني " المفعول الأول {6} .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ 167 البقرة . 2 ـ الكشاف للزمخشري ج1 ص212 .
3 ـ البحر المحيط ج1 ص475 ، وإملاء ما من به الرحمن للعكبري ج1 ص41 .
4 ـ 11 لقمان . 5 ـ 4 الأحقاف . 6 ـ إعراب القران المنسوب للزجاج ص469 .
أما الأفعال الخمسة الأخرى فتتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بلا وساطة ، وهي :
حدَّث : نحو : حدت إبراهيم محمدا موجودا .
نبَّأ : 18 ـ كقول كعب بن زهير :
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
نبئت : فعل ماض مبني للمجهول ، والتاء في محل رفع نائب فاعل ، وهي المفعول الأول في الأصل ، وأن واسمها وخبرها سدت مسد المفعولين الآخرين .
قال أبو حيان الأصل في : نبَّأ ، وأنبأ أمن يتعديا إلى واحد بنفسيهما ، وإلى اثنين بحرف الجر ، ويجوز حذفه ، فتقول : نبَّأت به ، ونبَّأنيه ، فإذا ضمنت معنى " أعلم " تعدت إلى ثلاثة مفاعيل {1} .
19 ـ كقول النابغة الذبياني :
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها يهدي إلي غرائب الأشعار
نبئت : فعل ماض مبني للمجهول ، والتاء نائب فاعله وهي المفعول الأول في الأصل ، وزرعة المفعول الثاني ، والجملة الفعلية : يهدي ... إلخ في محل نصب المفعول به الثالث .
ويجوز أن يكون منه قوله تعالى : { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم }2 .
فـ " عبادي " مفعول به أول ، وأن مع معموليها سدت مسد المفعولين الآخرين ، إذا اعتبرنا نبئ متعديا لثلاثة مفاعيل ، فإن لم يتعد لثلاثة سدت أن مع معموليها مسد المفعول به الثاني .
أنبا : نحو : أنبأت محمدا عليا قادما .
ومنه قول الأعشى :
وأُنبِئتُ قيسا ولم أبلُهُ كما زعموا خيرا أهل اليمن
فـ " أنبئت " فعل ماض مبني للمجهول ، والتاء في محل رفع نائب فاعل ، وهي المفعول الأول
ـــــــــــــــ
1 ـ البحر المحيط ج7 ص290 .
2 ـ 49 الحجر .
في الأصل ، قيسا مفعول به ثان ، وخيرا مفعول به ثالث .
ويجوز أن يكون منه قوله تعالى : ( هل أنبئكم على من تنزل الشياطين }1 .
قال أبو حيان : الجملة الاستفهامية في موضع نصب لأنبئكم ، لأنه معلق ، لمجيئه بمعنى أعلمكم ، فإن قدرتها متعدية لاثنين كانت سادة مسد المفعول الثاني ، وإن قدرتها متعدية لثلاثة كانت سادة مسد المفعول الثاني والثالث {2} .
والضمير المتصل بالفعل في محل نصب المفعول الأول .
خبَّر : نحو : خبرت الطلاب أن الامتحان غدا .
أخبر : نحو : أخبرت والدي عليا قادما .
فوائد وتنبيهات
أولا ـ يمكن تعدية الفعل إذا كان لازما بواحدة مما يأتي :
1 ـ الهمزة ، نحو : جلس الطالب . نقول : أجلست الطالب .
فأصبح الفاعل مفعولا لتعدي الفعل بوساطة همزة التعدية " النقل " ، وفي هذه الحالة تعدى الفعل لمفعول به واحد لأنه لازم في الأصل .
وإذا كان الفعل متعديا في الأصل إلى مفعول به واحد تعدى بالهمزة إلى مفعولين ، وإذا كان متعديا لمفعولين يتعدى بالهمزة إلى ثلاثة مفاعيل .
مثل : علم وأعلم ، ورأى وأرى .
2 ـ تضعيف عين الفعل نحو : عظم القائد . نقول بعد التضعيف : عظمت القائد . فعندما ضعفنا عينه تعدى إلى المفعول الذي كان في الأصل فاعلا .
3 ـ يتعدى الفعل إذا كان لازما بنقله من زنة " فعل " إلى " فاعل " .
نحو : مشى صاحب الخلق الحسن . نقول : ماشيت صاحب الخلق الحسن .
ومن زنة " فعل " إلى " استفعل " . نحو : خرج الماء من البئر .
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ 221 الشعراء . 2 ـ البحر المحيط ج7 ص48 .
نقول : استخرجت الماء من البئر .
ثانيا ـ يمكننا نصب الاسم بعد الفعل اللازم ، إذا كان مجرورا بحرف الجر ، ثم حذفنا حرف الجر ، فينصب على حذف حرف الجر ، أو نزع الخافض كما يسميه النحاة . والفعل في هذه الحالة لا يكون متعديا .
142 ـ نحو فوله تعالى : { واختار موسى قومه سبعين رجلا }1 .
فـ " موسى " منصوب على نزع الخافض ، والتقدير : من قومه .
ومنه قوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم }2 .
الطلاق : منصوب على نزع الخافض ، لأن عزم تتعدى بـ " على " ، أو تضمينها معنى " نوى " {3} .
ومنه قوله تعالى : { فتيمموا صعيدا طيبا }4 .
صعيدا : يجوز أن تكون مفعولا به ، ويجوز فيها النصب على حذف حرف الجر الباء ، والتقدير : بصعيد {5} .
20 ـ ومنه قول الشاعر :
تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم عليّ إذن حرام
والتقدير : تمرون بالديار ، فنصبه على تقدير حرف الجر المحذوف .
غير أن هذا النوع من نصب الاسم بعد حذف حرف الجر سماعي لا ينقاس عليه .
ومن الأفعال التي ينتصب بعدها الاسم على نزع الخافض : اختار ، واستغفر ، وأمر ، وكنى ،
ودعا ، وزوج ، وصدق .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ 155 الأعراف . 2 ـ 227 البقرة .
3 ـ البحر المحيط ج2 ص183 .
4 ـ 43 النساء .
5 ـ إملاء ما من به الرحمن للعكبري ج1 ص101 .
نماذج من الإعراب
140 ـ قال تعالى : { كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات } 167 البقرة .
كذلك : جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف ، والتقدير : إراءة مثل تلك الإراءة ، واختار سيبويه النصب على الحال وهو صحيح .
يريهم : فعل مضارع ، والرؤيا هنا تحتمل أن تكون بصرية فتتعدى لمفعولين ، الأول ضمير المتصل في الفعل يريهم . الله : لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة .
أعمالهم : مفعول به ثان منصوب ، وهو مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة .
ويحتمل أن تكون يريهم قلبية وهو الأرجح ، فتتعدى لثلاثة مفاعيل ، وعليه يكون مفعولها الثالث حسرات منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة .
141 ـ قال تعالى : { فأروني ماذا خلق الذين من دونه } 11 لقمان .
فأروني : الفاء هي الفصيحة ، وأروني فعل أمر مبني على حذف النون ، ينصب ثلاثة مفاعيل ، وواو الجماعة في محل رفع فاعل ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم في محل نصب مفعول به أول .
ماذا : اسم استفهام في محل نصب مفعول به مقدم لخلق ، ويجوز أن تكون ما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ، وذا اسم موصول في محل رفع خبر .
خلق : فعل ماض مبني على الفتح . الذين : فاعل مرفوع بالضمة .
من دونه : جار ومجرور ، ودون مضاف ، والضمير في محل جر بالإضافة ، وشبه الجملة لا محل له من الإعراب صلة الذي .
وجملة خلق لا محل لها من الإعراب صلة ذا الموصولة على الوجه الثاني .
وجملة الاستفهام المعلقة " ماذا خلق " سدت مسد مفعولي أروني .
ويجوز أن تكون بمعنى أخبروني فتتعدى لمفعولين فقط ، الأول الضمير المتكلم المتصل بها ، والثاني الجملة الاستفهامية ، والوجه الأول أحسن .
18 ـ قال الشاعر :
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
نبئت : فعل ماض مبني للمجهول ، والتاء في محل رفع نائب فاعل ، وهي في الأصل المفعول الأول لنبأ ، وجملة نبئت لا محل لها من الإعراب ابتدائية .
أن رسول : أن حرف مشبه بالفعل ، ورسول اسمها منصوب ، وهو مضاف .
الله : لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور .
أوعدني : أوعد فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو ، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة . وجملة أوعدني في محل نصب خبر أن .
وجملة أن ومعموليها سدت مسد المفعولين الثاني والثالث لنبأ .
والعفو : الواو للحال ، أو عاطفة ، والوجه الأول أحسن ، والعفو مبتدأ مرفوع .
عند رسول الله : عند ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بمأمول الآتي ، وعند مضاف ، ورسول مضاف إليه مجرور ، وسول مضاف ، والله مضاف إليه .
مأمول : خبر مرفوع بالضمة .
الشاهد قوله : نبئت أن رسول الله أوعدني ، حيث أعمل الفعل نبأ في ثلاثة مفاعيل هي : تاء الفاعل التي كانت في الأصل المفعول به الأول ، وأن ومعموليها التي سدت مسد المفعولين الثاني والثالث .
19 ـ قال الشاعر :
وأنبأت قيساً ولم أبلُه كما زعموا خيراً أهل اليمن
وأنبئت : الواو حرف عطف ، وأنبئت فعل ماض مبني للمجهول ، والتاء في محل رفع نائب فاعل وهو المفعول به الأول . والجملة معطوفة على ما قبلها .
قيسا : مفعول به ثان منصوب بالفتحة .
ولم أبله : الواو للحال ، ولم حرف نفي وجزم وقلب ، وأبله فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة الواو ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنا ، والضمير المتصل في محل نصب مفعول به .
والجملة في محل نصب حال .
كما : الكاف حرف جر ، وما إما موصولة في محل جر ، وإما مصدرية .
زعموا : فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ما على الوجه الأول ، وعلى الوجه الثاني تكون ما وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحر الجر الكاف ، والتقدير : كزعمهم .
خير اليمن : خير مفعول به ثالث لأنبئت ، وخير مضاف ، واليمن مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وسكن لأجل الوقف .
الشاهد قوله : وأنبئت قيسا … خير ، حيث نصب بالفعل أنبأ ثلاثة مفاعيل هي : تاء المتكلم الواقعة نائب فاعل ، وقيسا ن وخير .
142 ـ قال تعالى : { واختار موسى قومه سبعين رجلاً } 155 الأعراف .
واختار : الواو حرف استفهام ، واختار فعل ماض مبني على الفتح .
موسى : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف ، والجملة لا محل لها من الإعراب مستأنفة مسوقة لسرد قصة اللذين لم يعبدوا العجل .
قومه : منصوب على نزع الخافض ، والتقدير : من قومه ، فحذف الجار وأوصل الفعل . سبعين : مفعول به ثان ، لأن الفعل اختار يتعدى إلى مفعولين ، أحدها بنفسه والآخر بوساطة حرف الجر . رجلاً : تمييز منصوب بالفتحة .
20 ـ قال الشاعر :
تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذن حرام
تمرون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، وواو الجماعة في محل رفع فاعل .
الديار : منصوب على نزع الخافض ، وأصله تمرون بالديار .
ولم تعوجوا : الواو للحال ، ولم حرف نفي وجزم وقلب ، وتعوجوا قعل مضارع مجزوم بل ، وعلامة جزمه حذف النون ، والواو قي محل رفع فاعل ، والجملة في محل نصب حال .
كلامكم : مبتدأ مرفوع بالضمة ، وكلام مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة . علىّ : جار ومجرور متعلقان بحرام .
إذن : حرف جواب وجزاء لا محل له من الإعراب .
حرام : خبر مرفوع بالضمة .
الشاهد قوله : تمرون الديار ، حيث حذف حرف الجر ، وأوصل الفعل اللازم " تمرون " إلى الاسم الذي كان مجرورا فنصبه ، وأصل الكلام : تمرون بالديار ، ويسمى ذلك بـ " الحذف والإيصال " ، وهو مقصور على السماع ، إلا إذا كان المجرور مصدرا مؤولا من " أنَّ " المشبهة بالفعل مع اسمها وخبرها ، أو من " أنْ " المصدرية مع فعلها المنصوب .